[center]
[color=orange][size=24]رايحين .. شايلين ف إيدنا سلاح .. راجعين .. رافعين رايات النصر
بقلــــــم : رفعـت رشـــاد
كان السؤال : ماذا بعد جمال عبدالناصر ؟
ماذا بعد أن مات الأب والزعيم والشعور باليتم بعد رحيله ؟ هل يستطيع الشعب المصري مواصلة الكفاح ضد الإمبريالية والاستعمار ؟ كانت الهزيمة عام1967 مدمرة لنفسية الشعب المصري الذي اعتقد أن الدنيا ابتسمت له عندما حباه القدر بزعيم مثل عبدالناصر الذي حقق علي يديه العديد من الانتصارات . لكن جاء5 يونيو ليعيد للشعب المكلوم ذكريات مؤلمة عاشها علي مدي تاريخه الطويل، من حروب وهزائم وانكسارات واستعمار . كما أن الهزيمة كانت عاملا فاصلا كشفت القوي الاستعمارية من بعده عن وجهها الحقيقي، وخرج الصراع بيننا وبين الأعداء من مجال الدبلوماسية إلي مجال الخصومة الواضحة والمباشرة، مما ضيق من مجال الدبلوماسية وفرص نجاحها، وكان لابد من الاعتماد علي قوانا الذاتية لفرض ظروف قهرية علي العدو تجعله يقبل الانسحاب . لقد ساندت أمريكا، مصر خلال عدوان 1956، لكنها كانت تعمل لمصلحتها، فقد ظهرت لكي تصفي الاستعمار البريطاني حتي يمكنها أن تحل محله في المنطقة .
كان جمال عبد الناصر قد رفع شعار: ما أخذ بالقوة .. لا يسترد إلا بالقوة . وبالفعل، خرجت الجماهير في وداع الزعيم لتؤكد للجميع أنها سائرة علي طريق عبدالناصر، وكان الرئيس السادات يدرك أن الطريق شاق وطويل فقد كان عليه أن يسترد الأرض وفي نفس الوقت عليه أن يسابق الزمن لتحقيق خطة تنمية، بالإضافة إلي بذل الجهود لتحقيق الوحدة العربية. وقد ثبت أن نظام عبد الناصر الذي يستمد شرعيته من ثورة يوليو المجيدة لم يكن ليتهاوي أو ينهار بمجرد وفاة ناصر، فقد كانت هناك المؤسسات الدستورية والسياسية في الدولة والتي أثبتت وجودها وفاعليتها. وقد وقف الشعب خلف القائد الجديد يلهمه ويدعمه مدركا خطورة ما يحيط بمصر من تربص وتآمر دولي وإقليمي، يستهدف مكانتها ودورها الحضاري والتاريخي.
عاش الشعب المصري بعد الهزيمة حياة لا يمكن أن تتخيلها الأجيال الحالية، حياة يأس، إحباط، فقدان للثقة ليس له مثيل، فالهزيمة أطاحت بكل أمل كان يحمله هذا الشعب ، ويزيد من الآلام، الحالة الاقتصادية المتردية والمرافق المتهالكة، وكل من عاش في تلك الفترة المظلمة يتذكر كيف كان العذاب في الحصول علي نقطة المياه، أو الحصول علي اللحوم أو السلع التموينية وكيف كانت المجاري تغرق الشوارع بلا استثناء، أما المواصلات وحالة الأتوبيسات فحدث عنها ولا حرج . الصورة باختصار ..سوداء .
أيام قليلة بعد الهزيمة، لم ينته شهر يونيو حتي كان رجالنا يؤلمون العدو المتغطرس ويضربونه ضربات موجعة شرق القناة، كانت هذه الضربات بداية لأطول حرب مع العدو، حرب الاستنزاف، لقد انتصر رجالنا في حرب الاستنزاف التي جعلت العدو يصرخ طلبا لوقف إطلاق النار . بعدها استكمل العدو بناء خط بارليف وأعاد تنظيم خطوطه وزادت غطرسته وامتلأ شعورا بعجز العرب والمصريين بصفة خاصة وأنهم غير قادرين علي القيام بأي عمل عسكري .
كان رجالنا يواصلون التدريب، الأسلحة تضاعفت كمياتها، مرات التدريب علي عبور قناة السويس واقتحام الساتر الترابي وخط بارليف وصلت إلي عشرات المرات، السلاح السوفيتي كان يتأهب في أيدي الرجال . كل هذه العناصر جعلت ما تم تنفيذه يوم السادس من أكتوبر 1973 يذهل العالم، بل لقد أذهل من قاموا بالتنفيذ من القادة والضباط والجنود قبل أي أحد .
استطاع المصريون بعد الضربة الجوية الأولي التي قادها اللواء محمد حسني مبارك ودكات المدافع التي قادها اللواء محمد سعيد الماحي أن يعبروا بثمانية آلاف جندي في القوارب المطاطية، ولم يكن ممكنا عبور هؤلاء بدون أن تسبقهم القوات الخاصة من الصاعقة والتي سدت أفواه فتحات النابالم علي قناة السويس، والتي بلغ من نجاحهم في مهمتهم أن فتحة واحدة لم تشتعل علي مدي طول قناة السويس _ حوالي 180 كيلو مترا.
بعد ساعة واحدة سقط أول حصون خط بارليف في أيدي الجيش الثاني، ثم توالي سقوط باقي الحصون، في الوقت الذي كان فيه المهندسون يحطمون بمدافعهم المائية الساتر الترابي علي الضفة الشرقية واستطاعوا خلال أقل من خمس ساعات أن يفتحوا ثغرات في 80 موقعا من الساتر.
في الساعة الخامسة، بعد 3ساعات كانت الدفعة الأولي من الأسري الإسرائيليين قد سقطت في أيدي رجالنا، وفي الساعة السابعة والنصف كانت التشكيلات الأولي للجيش المصري قد تمركزت علي الضفة الشرقية للقناة علي جبهة عرضها170 كيلو مترا، ونجح 80 ألف رجل مصري في التوغل في سيناء علي عمق بين3 و4 كيلومترات وثبتوا أقدامهم داخل منطقة خط بارليف الحصينة .
كان لابد لاحتلال هذه المواقع، من منع القوات المدرعة الإسرائيلية من الاشتباك مع رجالنا الذين يقومون باحتلالها، ولم يكن من الممكن تحقيق ذلك إلا عن طريق مواجهة قوات العدو المدرعة بسلاح متحرك مضاد للدبابات يستطيع جندي مشاة أن يحمله بمفرده . وقد ظل الجنود المصريون الذين عهد إليهم بتنفيذ هذه العملية يركضون من دون توقف منذ اللحظة التي نزلوا فيها علي الضفة الشرقية للقناة إلي أن قطعوا مسافة خمسة كيلومترات التي تفصل بين المواقع التي يحتلونها وبين مدي المدرعات الإسرائيلية . وبعد أن وصل جنودنا بثلاث أو أربع دقائق فقط، ظهرت المدرعات الإسرائيلية، وكانت دهشتهم كبيرة لحجم ودقة النيران التي أطلقها الجنود المصريون من سلاح آر.بي. جيه المحمول علي الكتف، وجاءت الخسائر فادحة في المدرعات الإسرائيلية .
عند منتصف الليل، كانت عشرة كباري أقيمت عبر قناة السويس، وفي العادة فإن إقامة كل كوبري منها تستغرق 10 ساعات، ولكن براعة المهندسين المصريين ومئات التدريبات التي أجريت علي العبور خلال السنوات الماضية خفضت المدة إلي 6 ساعات . وفي الوقت الذي كانت فيه القوات تعبر القناة، كانت قوات المظلات ووحدات الكوماندوز الخاصة تنتشر بكثافة في سيناء وقامت بقطع مواصلات العدو ونقط مراقبته واستطاعت أن تجعل من منشآت البترول في جنوب سيناء كتلة من اللهب لتحرم إسرائيل من الاستفادة منها.
لقد أذهل الأداء المصري العالم وكانت الأيام الخمسة الأولي من الحرب فترة نجاح كاد يبلغ حد الكمال، ومهما قيل من تقدير ومدح للرجال فلن يفيهم حقهم، فقد صنع الرجال من القادة والضباط والجنود تاريخا جديدا لمصر، فقد كان اقتحام خط بارليف في نظر الخبراء العسكريين في العالم عملا عسكريا لا يقل في أهميته عن سقوط خط ماجينو الفرنسي في الحرب العالمية الثانية، وثبت أن المصريين حققوا نقلة بشرية كبيرة في نوعية المقاتلين، فقد ضم الجيش المصري الذي كان يقدر عدد أفراده في ذلك الوقت بمليون رجل، ما لا يقل عن 100 ألف من حملة المؤهلات العليا والمتوسطة وهو ما حقق إضافة إيجابية داخل صفوف الأفرع المختلفة، كما كان التخطيط المصري للمعارك أكثر كفاءة من التخطيط الإسرائيلي وتمكن من تجاوز أسباب التفوق الإسرائيلي التقليدية .
استطاعت مصر أن تلغي التفوق الإسرائيلي في الطيران باستعمال الصواريخ المضادة للطائرات من طراز سام للارتفاعات العالية ومن طراز ستريللا للارتفاعات المنخفضة، كما ألغت مصر التفوق الإسرائيلي في مجال المدرعات بالتوسع في استخدام صواريخ مولوتكا، كما ضربت مصر التفوق الإسرائيلي في مجال التعبئة العامة باستخدام عنصر المفاجأة والتخطيط للحرب علي الجبهتين المصرية والسورية في وقت واحد .
لقد فوجئت إسرائيل لأول مرة في حياتها بعمل عربي موحد يأخذ في يده زمام المبادأة، وكان أكبر عون له هو الغرور الإسرائيلي الذي تزايد بعد 1967 والذي وصل إلي درجة قاتلة وصلت بالتفكير والتخطيط الإسرائيليين إلي الجمود باعتبار أن العرب لا يملكون أبدا خيارا عسكريا . ومن جهة أخري كان للدعم السوفيتي اقتصاديا وعسكريا دور مؤثر، فقد كان لدي الجيش المصري أسلحة لم تقدم لدول أخري، فالصاروخ سام6 لم يعطه السوفييت لفيتنام كما أن الدبابة تي62 التي خدمت في الجيش المصري لم تكن قد دخلت الخدمة في قوات حلف وارسو.
لقد كان حجم الإنجاز مذهلا ومبهرا، صنع من خلاله المصريون تاريخا جديدا، صنعه الشعب، صنعته الثورة، صنعه الجيش من قادة فكروا وخططوا وضباط من الشجعان أصحاب العقول النيرة . صنعوا تاريخا بعد أن راحت مصر في سبات عميق لقرون سابقة، واستيقظت في النصف الثاني من القرن العشرين لتقوم بدورها الذي قامت به علي مدي التاريخ، لتقود العالم الثالث في مواجهة الاستعمار، استيقظت لتدحر الاحتلال وتعيد صياغة التاريخ، وكانت حرب أكتوبر نقطة تحول عظيمة في تاريخ مصر والمنطقة والعالم . لقد حطم الرجال الخوف، وهزموا اليأس، وكما زرعوا العلم، زرعوا الأمل .
]
الخميس نوفمبر 07, 2013 8:40 am من طرف نبع الرومانسية
